أحيانا تفضل أن تحاط بأكبر عدد من البشر بابتسامتهم وضحكاتهم وأحاديثهم وحكاياتهم وخلافاتهم لأنك تريد شيئا يشغلك، يخرجك من فكرة تسيطر عليك أو حالة تتلبسك لذلك تهرب إلى الزحام الاجتماعي غير المقنن وهذه قد تكون طريقة جيدة ومناسبة وناجحة لتشتيت انتباهك حتى لا تفكر فيما يشغلك ويزيدك قلقا أو تعبا خاصة حين تجد نفسك عاجزا أمام مشكلة بسيطة أو ضائقا لسبب تجهله.
وفي فترة من فترات حياتك كنت تعرف نفسك بمن يحيط بك أو بالشلة التي تختلط بها في المدرسة أو في الجامعة أو في شارع التحلية أو الثلاثين (حسب فئتك العمرية) أو شلة الاستراحة أو المقهى المفضل، حيث تجلسون نفس الجلسة و تطلبون نفس الطلبات وقد تكررون نفس الأحاديث. لكن الشلة بمن فيها تأتي أولا، فهي تشكل جزءا من وجودك الاجتماعي، قد تكون قناعا تختفي خلفه أو عكازا تسند إليه أو مكان هادئ ترتاح فيه وتهرب إليه.
مع التجربة ومرور الزمن يتغير مفهومك للتواصل الاجتماعي، يصبح تقييمك للناس أكثر موضوعية، تصبح أكثر انتقائية، تفكر مليون مرة قبل أن تقترب أو تعطي الآخرين الضوء الأخضر كي يعبروا الحدود. فدائرتك الاجتماعية تصغر أو تنكمش وهذا لا يعني أنها أصيبت بالهزال ولا يعني أنك أصبحت كائنا تفضل الوحدة على صحبة الآخرين، لكنها قد تكون دلالة على نضجك الاجتماعي على انتقائيتك في الاختيار، على تقييمك النوعي لمعنى الصحبة والتي تختلف عن الرفقة الاجتماعية المؤقتة أو التواصل الاجتماعي الذي تفرضه المناسبات والعلاقات الاجتماعية و قائمة البريد أو الفيسبوك!
قد تصحو يوما وتجد أن دائرتك الصغيرة أصبحت تضم عددا قليلا من البشر، لكنك تعرف أن قيمتهم تكمن في صدقهم وإحساسهم الإنساني الذي يأسرك.